مشروع الإحياء
مشروع الإحياء
مشروع الإحياء مدونة توفر مقالات تعليمية هادفة في مختلف المجالات

لماذا تغيب ثقافة استغلال وقت الفراغ عن أغلب الشباب؟

مؤمن محمد عبد الستار السبت، 7 سبتمبر 2024
إحياء العقل مميز

القراءة.. سبيل وصول الأمم إلى العلا، طريق وصول النفس إلى النور، دواء لكل جاهل، وصاحب كل عالم، لا تضر من يزيد منها، ولا يحمد من يقل منها.. القراءة.. أول أمر نزل في التنزيل العزيز، القراءة.. عادة تندثر في عالمنا!

أَنَا من بَدَّل بالكُتب الصحابا

لم أجد لي وافيا غير الكتابا

صاحب إن عبته أو لم تعب

ليس بالواجد للصاحب عابا

اذهب واسأل صديقك الذي يشبه عامة الناس: متى آخر مرة قرأت فيها كتابا؟ ستكون محظوظا إذا أخبرك أنه قرأ كتابا أصلا! أغلب من حولنا لا يفتحون كتابا إلا إذا كان مفروضا عليهم، في مدرسة أو جامعة أو غيرها.. أما أن يفتح أحدهم كتابا ويقرأه لأجل أن يتعلم صار لا يحدث إلا في غرائب ونوادر الناس! فأين الخلل؟ هل الناس لا يحبون التعلم بفطرتهم؟ نعم؛ الكسل فطرة في الإنسان، ولكن هذا ليس تفسيرا كافيا، فالقراءة والمطالعة لم تهجر يوما في تاريخنا كما هجرت في عصرنا الحالي، وعليه فإني أكاد أجزم أن شيئا ما جديدا تدخل وسبب هذه المشكلة!

فتاة تقرأ كتابا

نظام المكافأة

نظام المكافأة مجموعة من الأعصاب تحاول إرشادك منذ ولادتك إلى ما فيه منفعتك المادية.

لنترك موضوع القراءة جانبا لبعض الوقت، ولأحدثك عن نظام موجود في أدمغتنا وأدمغة الحيوانات الأخرى منذ الأزل.. لقد خلق الله تعالى لنا في المخ نظاما نسميه نظام المكافأة Reward System. وظيفة هذا النظام أن يكافئك على شيء جيد فعلته. إذا شربت كوبا من الماء وأنت عطشان، يفعل هذا النظام ويعطيك نشوة Euphoria، فتفرح، فتتعلم أن هذا شيء جيد فعلته وأن عليك فعله كلما كنت عطشانا حتى تحصل على نفس النشوة كل مرة.

لقد اعتاد نظام المكافأة أن يرشدنا دائما إلى أفعال طبيعية تحافظ علينا وعلى ذريتنا، فننعطف إلى تلك الأفعال ونفعلها تترى. هذا النظام يكافئك على شرب الماء لأنه أساسي للحفاظ على حياتك. هذا النظام يكافئك على أكل الطعام - بالذات المشبع بالنكهة كالسكر والملح - لأن وجود نكهة يعني على الأرجح وجود مغذيات في الطعام. هذا النظام يكافئك بشدة على ممارسة الرياضة والحركة، لأن هذا مفيد لصحتك ويصون عضلاتك وعظامك. هذا النظام يكافئك على رعاية ابنك، والاستجابة لبكائه، فليس غريبا أن تحب الأم النظر إلى ابنها ورعايته وإرضاعه، إذ لديها في مخها نظام يكافئها على فعل كل هذا! ولست أحتاج أن أقول أن هذا النظام يكافئك على حضن وتقبيل وجماع الجنس الآخر 😶️.. نعم أظن أني لا أحتاج لتبيين ذلك لأننا كلنا نعلم.. صحيح؟

فتاة صغيرة تشرب الماء

إذا رأيت الأشياء التي يكافئنا عليها نظام المكافأة سترى أنها كلها أشياء تدور حول محور الحفاظ على حياتك والحفاظ على نسلك وذريتك.. لكن هذا النظام ليس بالضرورة يكافئنا على غرائزنا الحيوانية فحسب، فهذا النظام أيضا يكافئك عندما تتعلم معلومة جديدة ترى أنها مفيدة، وهذا سبب أنك محب للعلم والمعرفة بطبعك (حتى من يبدون من الخارج لا يحبون العلم، فإنهم يشعرون بنشوة إذا فهموا علما جديدا ينفعهم). لكنك إذا فكرت جيدا، فحتى هذه المكافأة تبتغي الحفاظ على حياتك ونسلك؛ ألم تلحظ أن من يعرف أن الثعبان سام سيتجنبه، بينما من لا يعرف قد يحاول مواجهته؟ حينها يكون تعلم هذه المعلومة شيئا يحافظ على حياتك وعلى نسلك..

تضليل نظام المكافأة

نظام المكافأة يمكن خداعه بجعله يرشدك إلى أفعال تضرك!

إذا نحن لدينا نظام مكافأة يستطيع إرشادنا إلى ما يفيد صحتنا وبقاءنا.. لكن هل يمكن أن نضل هذا النظام فنجعله يكافئنا على أشياء ليست مفيدة لنا أو لصحتنا؟ هل هذا النظام ساذج؟

للأسف نعم! إن مخادعة نظام المكافأة البشري أمر يسير علىنا نحن البشر! نحن لدينا عقول فهمت بعض ما يحدث في المخ.. وعلمَت نظام المكافأة..

الآن لقد علمنا أن المخ يكافئك على الطعام كثير السكر، لأنك إن أكلت السكر فقد أكلت على الأرجح فاكهة كالتمر أو العنب أو التفاح، وهذه أشياء مفيدة لصحتنا.. لكن ماذا لو نزعنا ذلك السكر ووضعناه في مثلجات معززة بالكثير من المنكهات كالفانيليا والشيكولاتة ثم أكلته 🙃️؟ الآن نظام المكافأة سيشعرك بفيض من النشوة والفرحة، لكونك أكلت الكثير من السكر! لكن كان طعم السكر بالنسبة له دليلا على أكل فاكهة مفيدة، لكنك الآن تأكل مثلجات عديمة القيمة الغذائية! لقد خدعنا نظام المكافأة، فجعلناه يكافئك على شيء ليس مفيدا لك!

الطعام المرذول Junk food
الطعام المرذول يتميز بطعم غني دون أن يناظره فائدة غذائية

نفس الأمر يحدث عندما تأكل المقرمشات.. لقد اعتاد النظام أن يكافئك على الطعام المالح، إذ كان دليلا على أكل جبنة أو لحم مطبوخ أو بيض أو غيره من الطعام المفيد لك.. لكنك الآن تأكل مقرمشات كثيرة الملح والنكهة دون نفع غذائي.. فنكون غبنَّا نظام المكافأة مرة أخرى 😔️

هذا الطعام الذي يفرح مخك دون أن تكون له فائدة غذائية مساوية لتلك الفرحة يسمى الطعام المرذول أو Junc food. هذا الطعام يتميز بسعره الرخيص ما يسمح للأطفال والعامة استهلاكه قدر ما يريدون، كما يتميز بكميات عالية من السكر أو الملح، مع كميات شحيحة أو معدومة من الفيتامينات والمعادن والبروتين والمغذيات الأخرى. أن يدفعك مخك إلى استهلاك هذا الطعام يعني ببساطة أنه مخدوع، لأنه دفعك إلى شيء مضر لك، على عكس وظيفته التي يجب أن يقوم لك بها..

أما إن كنت لا تريد خداع النظام وتريد اختراقه فتوجد طرق تعريضه لمواد كيميائية تحفزه مباشرة عن طريق الدم، كالنيكوتين والكحول والمورفين وغيرها. هذه مواد تنتقل للمخ عن طريق الدم وتأمر النظام بالعمل، فتُشعر من يستهلكها بالكيف أو الفرحة.

التدخين
تستطيع بعض المواد الكيميائية كالنيكوتين اختراق نظام مكافئتك وتحفيزه دون سبب مادي للمكافأة

التعوُّد

أعصابك تحب التعود على المستحث إذا كان يستثيرها فترة طويلة.

هل فكرت لماذا لا تشعر بملابسك رغم أنها تلامسك طول الوقت؟ أو لماذا لا تستطيع شم رائحة نفسك؟ إن من خواص أعصابك الحسية التعود Tolerance، عندما تتعرض لمستحث جديد يكون مفاجئا وتشعر به بقوة وتهتم به، وبمرور الوقت إذا استمر هذا المستحث في إثارة أعصابك الحسية ستتعود عليه وتتجاهله.. هذا مهم جدا حتى تستطيع تجاهل صوت ضوضاء السيارات مثلا والتركيز في القيادة، أو تجاهل الشعور بملابسك والتركيز في كتابة مقالك.. تخيل أنك لا تستطيع تجاهل كل هذه المستثيرات 🙁️!

حزر ماذا.. نظام المكافأة لديه نفس القدرة على التعود! عندما يدخن أحدهم أول مرة مثلا يشعر بفيض من الفرحة لم يشعر به مسبقا! لكن نظام المكافأة كغيره من الأعصاب يحب التعود، سيبدأ في تقليص استقباله للدوبامين (أحد النواقل العصبية في نظام المكافأة)، عندما يدخن للمرة الثانية سيشعر بفرحة أقل لأن نظام المكافأة صار متعودا على نسبة الدوبامين العالية. سيحتاج المدخن سجارات أكثر وأكثر لكي يشعر بنفس النشوة، وهذه مشكلة التعود.

الأطفال يفضلون الحلوى والطعام المرذول
الأطفال على الأرجح سيفضلون الحلوى على الطعام المفيد لهم

عندما نعرض الطفل للكثير من الطعام المرذول يحدث نفس الأمر! يتعود نظام المكافأة على الكثير من السكر والملح، فتجد شهية الطفل مسدودة تجاه الفاكهة واللحم، لأن هذه أطعمة ليست غنية بالسكر والملح كالمثلجات والمقرمشات. سيتجه الطفل دائما إلى أحد خيارين:

  • استهلاك الطعام المرذول حصرا وترك الطعام النافع له، مما قد يصيبه بسوء التغذية لعدم حصوله على الفيتامينات والمعادن التي يحتاجها،
  • أو سيحتاج إلى استهلاك كميات ضخمة من طعام البيت النافع له، لأن كمية الطعام العادية لا تشعره بالفرحة التي نشعر نحن بها، لأن مخه قد تعود على الدوبامين، مما يعرضه للإصابة بالسمنة.

لا أريد الغوص كثيرا في هذا الموضوع حتى لا أبتعد عن الموضوع الأساسي، لكنك يمكن أن تقرأ عن هذه التجربة لتعرف أكثر عن التأثير الإدماني للطعام المرذول.

مقارنة ذلك بالقراءة

ما يحدث مع الطعام النافع يحدث مع القراءة!

الآن وبعد أن علمت شرحا مختصرا عن نظام المكافأة وطرق خداعه، لنطبق نفس الأمر على القراءة.. كما قلت سابقا في مثال الثعبان السام: إن نظام المكافأة يفرحك عندما تتعلم شيئا جديدا، لهذا فإن القراءة كان ينبغي أن تكون شيئا يحبه الجميع، لأن نظام المكافأة سيجزينا عليه.. لماذا لا يحدث هذا؟

رجل يقرأ كتابا
لماذا لا نشعر بنفس اللذة التي شعر بها أجدادنا عندما كانوا يقرءون الكتب؟

لنقارن أنفسنا بطفل ريفي كان يحب شرب لبن البقر، ويشربه كل يوم صباحا، وكان هذا يفرحه ويلذه، وهذا نافع له، لكن رجلا قرر فتح بقالة وبيع حلوى الشيكولاتة في تلك المنطقة الريفية، تذوق الطفل الحلوى وشعر بلذة لم يألفها قط، وعندما استيقظ اليوم التالي وجد نفسه مخيرا بين شرب اللبن غالي السعر عسير النيل شحيح المذاق - والحلوى رخيصة السعر يسيرة النيل غنية المذاق، أيهما سيختار؟

وبعد عدة أشهر من استهلاك الحلوى تعود مخه على كثير من الدوبامين بسبب تعرضه لكثير من الفرحة، صار لا يستلذ اللبن ولا يشعر بمتعة عند شربه، بينما يشعر بلذة قليلة عند أكل الحلوى لأنه تعود عليها..

اختر اللبن أو الحلوى

الآن نحن تعرضنا لأشياء خدعت نظام مكافئتنا بنفس الطريقة، ألا وهي الإنترنت والألعاب الإلكترونية والتلفاز ونحو ذلك! مواقع التواصل الاجتماعي بالذات مصممة خصيصا لكي تكون إدمانية. سيدرس الموقع بعناية نوع المنشورات التي تحبها، ثم يعرضها عليك، فيجعلك تمرر المنشورات إلى اللانهاية دون أن تشعر بالوقت.

مثلا: تستطيع تلك المواقع خداع مخك عن طريق مؤثرات سمعية وبصرية، جرب مثلا أن تضغط على زر لايك على الفيسبوك، واشهد المؤثرات السمعية والبصرية عندما تفعل ذلك، هذا مصمم خصيصا لكي يجعلك تحب هذا الزر وتضغط عليه مجددا.

إن المؤثرات السمعية والبصرية مجرد مثال على طرق جعلك تدمن التطبيق، لكن طرق جعلك تدمن الفيسبوك أكثر وأعمق من هذا بكثير، ولا أريد الخوض في هذا الموضوع حتى لا أشط، ولكن سؤالي الآن.. لقد كانت قراءة الكتب شيئا ممتعا لفتى من الريف، حتى تعرض لمواقع التواصل الاجتماعي ورأى كم النشوة التي يحصل عليها من فتح تلك المواقع.

تعود هذا الفتى على تلك الفرحة وصار فتحها قليلا لا يكفيه ويحتاج لفتحها أكثر، كما صارت قراءة الكتب بالنسبة له نشاطا غير ممتع لتعوده على الدوبامين الغزير. الآن هذا الفتى لديه وقت فراغ 5 دقائق وعليه أن يختار بين قراءة كتاب أو الجلوس على فيسبوك، أيهما سيختار؟

اختر كتاب أو تطبيقات الهاتف
اختيار مواقع التواصل الاجتماعي لقضاء 5 دقائق يبدو لوهلة أنه سيضيع منك 5 دقائق فحسب، لكن تأثيره على دماغك أكبر من هذا بكثير.

فهل فتح مواقع الإعلام الاجتماعي تنفعنا وتفيدنا بعلم نافع كالكتب؟ ربما رأيت منشورا ما أفادك أو غيرك، لكن الأغلب لن تتذكره، ستنساه بمجرد أن تمرره للأعلى، لأن المنشورات القصيرة لا تطبع فينا أثرا، بل تمر كالهباء المنثور، فيكون فتح تلك المواقع مجرد مضيعة ومحرقة لوقتك، الذي هو أغلى ما تملك. إن كنت لا تصدقني فأخبرني بآخر منشور على الفيسبوك قرأته فغير حياتك أو أنار بصيرتك لما لم تكن تراه.. ثم اسأل صديقك المثقف بآخر كتاب قرأه فغير حياته أو أنار بصيرته لما لم يكن يراه.. وقارن فين الإجابتين!

كيف نصلح هذا؟

إن الممتعات الطبيعية لا تعرضك لخطر الإدمان ولا تؤثر على صحتك النفسية، بعكس الممتعات الصناعية التي صممت خصيصا لكي تدمنها!

الأمر ليس مقتصرا على مواقع الإعلام الاجتماعي فحسب! أنا طبيب وأرى زملائي كثيرا - عندما يجدون وقتا فارغا - ما يفتحون هاتفهم ويشغلون لعبة، على الأرجح تكون لعبة عديمة الهدف أو ليس لها نهاية وهدف صناعتها تضييع الوقت الفارغ.

وأنا لا أزكي نفسي عليهم أو أرى نفسي أفضل منهم، لكن لا شك أن نظام المكافأة لدى هؤلاء جميعا مغبون! لقد تعرض للكثير من المستثيرات الممتعة مما جعل القراءة أمرا لا يتحمَّل! تماما كالطفل الذي صار لا يتحمل شرب اللبن!

الهواتف الذكية
صار الشباب يفضلون الترفيه على تطبيقات وألعاب هاتفهم كلما سنحت لهم دقيقة فراغ

هذه المشكلة لا نحلها بمنع الترفيه منعا باتا، فهذا قد يكون فيه ضرر أيضا، ولكن بالحد من جرعة ما تستهلكه من تلك المنتجات. إذا كان ذلك الطفل الذي يشرب اللبن لا يأكل الحلوى إلا قليلا، مرة مثلا كل يومين أو ثلاثة، فإنه لن يحدث له التعود ولن يستثقل طعم اللبن. وكذلك عليك أن تحدد وتنظم الجرعة التي تستهلكها من ألعاب هاتفك المحمول وتطبيقاته الاجتماعية..

إذا سألتك فيم تريد قضاء السنوات العشر القادمة فعلى الأرجح لن تذكر لي مواقع الإعلام الاجتماعي أو ألعاب الهاتف المحمول، ورغم ذلك أنت تقضي الكثير والكثير من وقتك عليها.. فهلا فكرت وتأملت هذا؟

رجل يمارس الرياضة
الرياضة مرفه طبيعي لا يسبب الإدمان أو التعود

جرب أن تحدد جلوسك على تلك التطبيقات إلى 20 دقيقة مثلا كل يوم، فإن أخذت جرعتك اليومية منها وأردت أن ترفه عن نفسك تستطيع تجربة شيء ممتع طبيعي وليس صناعي، كالرياضة والحديث مع أهلك وتعلم الرسم والعزف وغير ذلك. إن الممتعات الطبيعية لا تعرضك لخطر الإدمان ولا تؤثر على صحتك النفسية، بعكس الممتعات الصناعية التي صممت خصيصا لكي تدمنها!

على مقالي الآخر الجديد كتبت عن طريقة نجحت بامتياز في إنهاء إدماني لمواقع التواصل الاجتماعي، ألا وهي وضعها في الرف العلوي.. كيف ذلك؟ يمكنك قراءة المقال وتجربة الطريقة معك.

المشكلة متعددة الأسباب

وعلي أن أختم بتنويه، مشكلة ابتعادنا عن قراءة الكتب ليست الهواتف فحسب! هي مشكلة معقدة لها أسباب كثيرة، ولدها فينا الكسل قبل أن تولد تلك المواقع، فالكسل يدفعنا دائما إلى تجنب القراءة التي تحتاج جهدا وتركيزا.. ربما الهواتف فاقمت المشكلة وأربتها لكنها لم تلدها من العدم، مثلا إليك اقتباسا من كتاب نشر عام 1985:

إن نظمنا التعليمية تخرج موظفين ولا تخرج مثقفين، وحتى القراءة فنحن لا نحب أن نقرأ، لأن القراءة تطلب منا جهدا وتفكيرا حتى نفهم ونتابع، ولكن الكسل عندنا أحلى من العسل!

لقد قال موشي ديان يوما لقومه من اليهود، وقد لاموه على بعض تصريحات تكشف عن أطماعهم وتطلعاتهم، وقد خشوا أن يقرأها العرب، قال لهم: اطمئنوا فإن العرب لا يقرأون!

والعجب من أمة أول آية نزلت في كتابها: اقرأ لا تحسن أن تقرأ، وإذا قرأت لا تحسن أن تفهم، وإذا فهمت لا تحسن أن تعمل، وإذا عملت لا تحسن أن تستمر!

هل أنت متخيل أن هذا اقتباس من كتاب نشر عام 1985؟ ماذا لو رأى المؤلف أحوالنا اليوم! إن ما أريد التنويه إليه بجلب هذا الاقتباس هو أن المشكلة كانت موجودة فينا قبل ظهور الفيسبوك والتويتر، لكنهما فاقما المشكلة، فترك تلك المواقع لن يجعلك قارئا إن لم يكن لديك الدافع لتكون قارئا.. هذا المقال مفيد لشخص يحب أن يكون قارئا ولديه اقتناع قوي داخلي بالمبادرة ولكنه لا يدري لماذا لا يجد من العزيمة ما يعينه على هذا، وليس مفيدا لشخص ليس لديه هذا الدافع!