الأقسام
اقرأ الأبيات التالية بالتشكيل الصحيح، ورجاء حرك شفتيك ولسانك أثناء القراءة حتى تشعر بالنغمة. أولا اقرأ هذا:
أَبَا هِنْدٍ فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْنَا
وَأَنْظِرْنَا نُخَبِّرْكَ اليَقِيْنَا
بِأَنَّا نُوْرِدُ الرَّايَاتِ بِيْضًا
وَنُصْدِرُهُنَّ حُمْرًا قَدْ رُوِيْنَا
ثم اقرأ هذه:
لا تَتَعَجَّل عَلَيْنا يَا أبََا هِنْدٍ
وانْتَظرْنَا حَتَّى نَقُول لك اليَقِينا
فَنحنُ نَأتِي بِالرَايات بَيْضَاوات
ثُمّ نَعُودُ بِهِنّ حَمْرَاوَات قَد رُوِينا
تناوب في القراءة بين الأبيات، مرة واثنتين وثلاثة.
في أيهما تشعرون بموسيقى ونغمة بسبب السكون والحركة المنظمين؟ بمعنى آخر، أي الأبيات تفضل؟ هل فضلت أول بيتين؟ أليست القافية لا زالت سليمة؟!
أعد الكرة مع البيتين التاليين:
أليس الشعر ألحانا
وأنغاما من الشادي
ألم يكن الشعر كالألحان
والأنغام من الشادي
تناوب في القراءة بين البيتين مرة واثنتين وثلاثة وحدد أيهما تفضل.
هل فضلت الأول أيضا؟
يبدو أن ثم سرا يخفيه الشعراء عنكم في أبياتهم يجعلكم تشعرون بالموسيقى في شعرهم دون باقي الكلام، وهذا السر يسمى علم العروض.
إذا ماذا يفعل الشاعر يا ترى؟ إنه يختار تفعيلة معينة، فلنقل كما في الصورة أنه اختار "فاعلاتنْ متفْعلنْ فاعلاتنْ"، سيستعمل هذه التفعيلة قالبا لأبيته، فيبدِّل كل
فإذا نظرت إلى الصورة تجد الشاعر قد بدَّل كل حرف ساكن في التفعيلة
لنطبق هذا مثلا على التفعيلة الأولى
الشاعر كتب
نطقا نقولها
فهي حرف متحرك (الكاف) ثم ساكن (النون) ثم متحرك ثم متحرك ثم ساكن ثم متحرك ثم ساكن.
نكتبها رمزيا (
وهو نفس ترتيب الحروف الساكنة والمتحركة في القالب أو التفعيلة "فَاْعِلَاْتُنْ"، فالترتيب هو (
عند دراستنا لهذا التقطيع العروضي فإنا نكتب
ولكن كيف يستطيع الشاعر أن يضبط ترتيب الحروف الساكنة والمتحركة بهذه الدقة؟!
بالطبع إن الشاعر عند تأليفه للشعر لا يقوم بكل هذه الخطوات، بل في الغالب يعتمد على أذن موسيقية تستطيع التفرقة بين صالح الوزن وفاسده.
مثلما تستطيع أنت أن تتكلم بالفصحى فترفع المرفوع وتنصب المنصوب... إلخ لحظيا دون أن تعرب أي كلمة، كأن تقول ذهب الولدُ إلى المدرسةِ
دون أن تعرب
فتعلم قواعد النحو كلها لن يجعلك متحدثا فصيحا، بل تحتاج إلى الاستماع والتدريب حتى يكون كلامك صحيحا نحويا.
كذلك يكتب الشاعر الشعر تلقائيا وبسرعة ودون تفكير لكثرة ما سمع من الشعر المضبوط وزنا وقافية، ويكتب على حسب ما سمع من إيقاع، فهو لا يحسب ولا يرتب. وكذلك تعلم علم العروض لن يجعل المتعلم شاعرا، بل إنه يحتاج إلى الاستماع والتدريب، مثل النحو كما قلنا في السابق.
ماذا عن الشعر الحر؟ هل هو موزون؟
الشعر الحر مصطلح أسيء فهمه من كثير من الشعراء، الذين ظنوا أن الشعر الحر هو شعر ليس فيه وزن على الإطلاق،
يزن الشاعر حروفه على الوزن، لكن هذه المرة يختار هو عدد مرات تكرار التفعيلات، فمثلاربما يجعل شعره على الوزن الآتي على
فعولن فعولن فعولن فعولن
فعولن فعولن
فعولن فعولن فعولن
مع أن الوزن الطبيعي لبحر المتقارب هو:
فعولن فعولن فعولن فعولن
فعولن فعولن فعولن فعولن
لا زال شعره موزونا، لكنه يختار عدد مرات تكرار
أو ربما يكتب على
مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن
مفاعلتن
مفاعلتن مفاعلتن
فتجده يستخدم التفعيلة
مع أن الوزن الطبيعي لبحر الوافر هو:
مفاعلتن مفاعلتن
مفاعلتن مفاعلتن
ومن أمثلة الشعر الحر:
إن سمعت الرعد يدوي بين طيات الغمام...
فهو على وزن بحر الرمل:
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
لنتحقق من أول تفعيلة مثالا:
إن سمعت الر...
إِنْ سَمِعْتِرْ
/* //*/*
فَاْ عِلَاْتُنْ
/* //*/*
إذا هو نفس الترتيب، والمقطع موزون.
ولكل بحر تغييراته المسموحة، تمثل نوعا من التحرر قليلا من الوزن، بحيث لا ينقص هذا التحرر موسيقى البيت، فمثلا يمكن للتفعيلة
والسر وراء تلك الموسيقى هو أن
شاهد هذا الفيديو الجميل (مدته ثلاث دقائق!) والذي يوضح الوزن على بحر الوافر (ومنه البيت الذي ذكرته في البداية) على طريقة التلحين، وطريقة التلحين من أسهل طرق تأليف الشعر. اضغط هنا لمشاهدة الفيديو